responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 491
بِالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ وَالْخَلَاصِ مِنَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ، أَلَا ترى إلى قوله: الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ أَيْ يَتَوَقَّعُونَ نَيْلَ ثَوَابِهِ وَالْخَلَاصَ مِنْ عِقَابِهِ. مِثَالُهُ إِذَا قِيلَ لِلْمَرِيضِ: كُلْ هَذَا الشَّيْءَ الْمُرَّ فَإِنِ اعْتَقَدَ أَنَّ لَهُ فِيهِ شِفَاءً سَهُلَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ فِيهِ صَعُبَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ
قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ» .
وَصَفَ الصَّلَاةَ بِذَلِكَ لِلْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا لَا لِأَنَّهَا كَانَتْ لَا تَثْقُلُ عَلَيْهِ، وَكَيْفَ وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يُصَلِّي حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ، وَأَمَّا الْخُشُوعُ فَهُوَ التَّذَلُّلُ وَالْخُضُوعُ.

[سورة البقرة (2) : آية 46]
الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ (46)
أما قوله: الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ فللمفسرين فيه قولان: الْأَوَّلُ: أَنَّ الظَّنَّ بِمَعْنَى الْعِلْمِ.
قَالُوا: لِأَنَّ الظَّنَّ وَهُوَ الِاعْتِقَادُ الَّذِي يُقَارِنُهُ تَجْوِيزُ النَّقِيضِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ صَاحِبُهُ غَيْرَ جَازِمٍ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَذَلِكَ كُفْرٌ وَاللَّهُ تَعَالَى مَدَحَ عَلَى هَذَا الظَّنِّ وَالْمَدْحُ عَلَى الْكُفْرِ غَيْرُ جَائِزٍ، فوجب أن يكون المراد من الظن هاهنا الْعِلْمَ، وَسَبَبُ هَذَا الْمَجَازِ أَنَّ الْعِلْمَ وَالظَّنَّ يَشْتَرِكَانِ فِي كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اعْتِقَادًا رَاجِحًا إِلَّا أَنَّ الْعِلْمَ رَاجِحٌ مَانِعٌ مِنَ النَّقِيضِ وَالظَّنَّ رَاجِحٌ غَيْرُ مَانِعٍ مِنَ النَّقِيضِ، فَلَمَّا اشْتَبَهَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ صَحَّ إِطْلَاقُ اسْمِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، قَالَ أَوْسُ بْنُ حجر:
فأرسلته مُسْتَيْقِنَ الظَّنِّ أَنَّهُ ... مُخَالِطُ مَا بَيْنَ الشَّرَاسِيفِ خائف
وَقَالَ تَعَالَى: إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ [الْحَاقَّةِ: 20] وَقَالَ: أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ [الْمُطَفِّفِينَ: 4] ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ إِنْكَارًا عَلَيْهِمْ وَبَعْثًا عَلَى الظَّنِّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْعَثَهُمْ عَلَى الِاعْتِقَادِ الْمُجَوِّزِ لِلنَّقِيضِ فَثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ بالظن هاهنا الْعِلْمُ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنْ يُحْمَلَ اللَّفْظُ عَلَى ظاهره وهو الظن الحقيقي، ثم هاهنا وُجُوهٌ. الْأَوَّلُ: أَنْ تُجْعَلَ مُلَاقَاةُ الرَّبِّ مَجَازًا عَنِ الْمَوْتِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مُلَاقَاةَ الرَّبِّ مُسَبَّبٌ عَنِ الْمَوْتِ فَأَطْلَقَ الْمُسَبِّبَ وَالْمُرَادُ مِنْهُ السَّبَبُ، وَهَذَا مَجَازٌ مَشْهُورٌ فَإِنَّهُ يُقَالُ لِمَنْ مَاتَ إنه لقي ربه. إذا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ الْمَوْتَ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ مُتَوَقِّعًا لِلْمَوْتِ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُفَارِقُ قَلْبَهُ الْخُشُوعُ فَهُمْ يُبَادِرُونَ إِلَى التَّوْبَةِ، لِأَنَّ خَوْفَ الموت مما يقوي دواعي التوبة ولأنه مَعَ خُشُوعِهِ لَا بُدَّ فِي كُلِّ حَالٍ مِنْ أَنْ لَا يَأْمَنَ تَقْصِيرًا جَرَى مِنْهُ فَيُلْزِمَهُ التَّلَافِيَ، فَإِذَا كَانَ حَالُهُ مَا ذَكَرْنَا كان ذلك داعياً إِلَى الْمُبَادَرَةِ إِلَى التَّوْبَةِ، الثَّانِي: أَنْ تُفَسَّرَ مُلَاقَاةُ الرَّبِّ بِمُلَاقَاةِ ثَوَابِ الرَّبِّ وَذَلِكَ مَظْنُونٌ لَا مَعْلُومٌ فَإِنَّ الزَّاهِدَ الْعَابِدَ لَا يَقْطَعُ بِكَوْنِهِ مُلَاقِيًا لِثَوَابِ اللَّهِ بَلْ يَظُنُّ إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ الظَّنَّ مِمَّا يَحْمِلُهُ عَلَى كَمَالِ الخشوع. الثالث: المعنى الذين يظنون أنهم ملاقوا رَبِّهِمْ بِذُنُوبِهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ الْخَاشِعَ قَدْ يُسِيءُ ظَنَّهُ بِنَفْسِهِ وَبِأَعْمَالِهِ فَيَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى بِذُنُوبِهِ فَعِنْدَ ذَلِكَ يُسَارِعُ إِلَى التَّوْبَةِ وَذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الْمَدْحِ. بَقِيَ هُنَا مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اسْتَدَلَّ بَعْضُ الْأَصْحَابِ بقوله: مُلاقُوا رَبِّهِمْ عَلَى جَوَازِ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى/ وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: لَفْظُ اللِّقَاءِ لَا يُفِيدُ الرُّؤْيَةَ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ الْآيَةُ وَالْخَبَرُ وَالْعُرْفُ. أَمَّا الْآيَةُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ [التوبة: 77] وَالْمُنَافِقُ لَا يَرَى رَبَّهُ، وَقَالَ: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً [الْفُرْقَانِ: 68] وَقَالَ تَعَالَى فِي مَعْرِضِ التَّهْدِيدِ: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ [الْبَقَرَةِ: 223] فَهَذَا يَتَنَاوَلُ الْكَافِرَ وَالْمُؤْمِنَ، وَالرُّؤْيَةُ لَا تَثْبُتُ لِلْكَافِرِ فَعَلِمْنَا أَنَّ اللِّقَاءَ لَيْسَ عِبَارَةً عَنِ الرُّؤْيَةِ. وَأَمَّا الْخَبَرُ
فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ:

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 491
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست